إذاً: فالمسألة ترجع إلى ما في القلب، كما قال صلى الله عليه وسلم : (
ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، ألا وهي القلب )، فإذا فسد القلب بالكبر والخيلاء والعجب فسد سائر الأعضاء، وفسد العمل كله والعياذ بالله، فكان صاحبه ممن ينال هذا الوعيد الشديد وهو لا يملك شيئاً.يقول
شيخ الإسلام: (فعلم بهذين الحديثين أن من الفقراء من يكون مختالاً لا يدخل الجنة، وأن من الأغنياء من يكون متجملاً غير متكبر، يحب الله جماله)، فهذا دليل على أن التفضيل ليس بمجرد الفقر أو الغنى.(مع قوله صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الصحيح: (
إن الله لا ينظر إلى صوركم، ولا إلى أموالكم، وإنما ينظر إلى قلوبكم، وأعمالكم ) )، فهذه هي القاعدة العظيمة: أن التفاضل إنما هو بما في القلوب، وبالأعمال، وليس بالصور، ولا بالأموال، وكثير من الناس يخطئون في ذلك، فيظنون أن التفاضل يكون بالمظهر، وبالصورة، أو بالمال، أو بالكمية أو بالكيفية، وهذا غير صحيح، فالعبرة ليست بالكمية ولا بالكيفية، وإنما العبرة بحقيقة ما في القلب من إيمان، وما فيه من يقين، وصدق، وإخلاص، فلا شك أن الله سبحانه وتعالى يريد منا أن تكون صورتنا الظاهرة، وهدينا الظاهر مثل هدي الرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك منه ما هو مستحب، ومنه ما هو واجب.وكذلك أوجب علينا الله تبارك وتعالى في أموالنا صدقة، وزكاة، وحقوقاً يجب أن نؤديها، لكن لا يعني ذلك أن محط نظر الله سبحانه وتعالى إلى عبده مجرد الصورة أو المال، فالمظهر جزء من الإيمان، ولكن المخبر هو الأهم؛ لأن الله تبارك وتعالى يقول: ((
أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ ))[المجادلة:22]، وقد تقدم هذا في موضوع الإيمان.وقال أيضاً: ((
وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ ))[الحجرات:7].إذاً: فالإيمان الأصل فيه هو القلب، فإيمان القلب، وأعمال القلب أعظم وأهم من أعمال الجوارح؛ مع أن أعمال الجوارح لابد منها، والواجب منها واجب، ولا بد لمن حقق أعمال القلب أن يحقق أعمال الجوارح، لكن كلامنا هنا في أيهما أفضل، وفي أيهما الأصل، وكما قال صلى الله عليه وسلم : (
التقوى هاهنا، التقوى هاهنا، التقوى هاهنا، وأشار إلى صدره ثلاث مرات ) أي: فليست التقوى بالادعاء، ولا بمظهر لا حقيقة له، وإنما هي في القلب.ولو أن التقوى مجرد مظهر يتجمل به أو يشترى لاستطاع كل أحد أن يشتريها، وأن يلبسها ويتجمل بها، ولكنها حقيقة في القلب لا بد منها، فلذلك قال: (
التقوى هاهنا )؛ ليشعر أن الأصل هو إيمان القلب، ويقينه، وبراءة القلب ونظافته، وقد جاء في الحديث كما في بعض رواياته: (
لا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تناجشوا، التقوى هاهنا )، أي: هل تريد أن تكون تقياً؟ فطهر قلبك من الحسد، وطهر قلبك من النجش، وطهر قلبك من البغضاء، أما أن تصلي، أو تصوم، أو تتمسك بعض الأعمال الظاهرة؛ فهذا وحده سهل، لكنه لا ينفعك ولا يغنيك إذا كان القلب فيه الغل، وفيه الحسد، وفيه الحقد، والعياذ بالله.